(آدار برس-خاص)
قال “وليد جولي” عضو الهيئة السياسية في حزب السلام الديمُقراطي الكُردستاني، بأنّ الرئيس التُركي “رجب طيب أردوغان” قام بتصفية كل معارضيه من أجل أن ينفرد بحكم تُركيا، وتنصيب نفسه سلطاناً عليها.
جاء ذلك في حوارٍ مع “آدار برس”، أضاف فيه “جولي” بأنّهُ: “لا يحق لأية جهة خارجية التدخل في قرار أهل كركوك بتقرير مصيرهم الذي أراه من أرقى وأجمل أشكال الديمقراطية، ولا يحق حتى لحكومة المركز وحكومة الإقليم التدخل في شؤونهم، فكيف سيحقُ لتركيا أن تتدخل؟”
وفيما يلي نص الحوار:
– تركيا ومن خلال حكومة العدالة والتنمية مقبلة على عملية استفتاء دستوري مُتعلق بصلاحيات الرئيس.. ما رؤيتكم لهذا الاستفتاء؟
بعد مسرحية انقلاب /15/ تموز التي قام بها “أردوغان” وأنصاره، والتي روجت لها على إنّها تمرد عسكري ضد الديمقراطية والشرعية في تركيا، سارع “أردوغان” بعد أن قام بتصفية كل من لم يكن له صلة بتلك المحاولة، من عسكريين ومدنيين وقضاة وبرلمانيين وكتاب ومثقفين ورؤساء بلديات وأحزاب، ومن ضمنهم قادة حزب الشعوب الديمقراطية، سارع بطرح مشروعه الفاشي الخاص بالتعديل الدستوري الجديد المتعلق بصلاحيات رئاسة الجمهورية، بالتنسيق والاتفاق مع حزب الحركة القومية المتفق معه بشأن قمع الحريات العامة، خاصةً فيما يتعلق بالمسألة الكُردية، عبر نظام أحادي مركزي، يتيح لرئيس الجمهورية التحكم بزمام أمور الدولة أكثر من ذي قبل، عبر البرلمان والحكومة والجيش، الذين تم غربلتهم من قبل حكومة العدالة والتنمية بعد محاولة الانقلاب المزعومة.
طبعاً نتائج هذه التعديلات ظاهرة قبل إتمام الاستفتاء المزمع إجرائه في /16/ نيسان الجاري، ألاّ وهو التصعيد من وتيرة العداء التركي، وتدخلهم غير المشروع في قضايا الدول المجاورة، كــ”سوريا، العراق، دول البلقان، وأوروبا الغربية”، من خلال التهديدات التي يطلقها “أردوغان” وحاشيته مراراً وتكراراً ضد هذه الدول، وآخرها مسألة “كركوك” الكُردستانية، وتهديداته لأمن واستقرار سوريا عبر دعمهم للإرهاب فيها، ناهيك عن احتلالها المباشر لمناطق الشهباء في سوريا.
– برأيك.. ما علاقة أردوغان بكركوك، وهل يحقّ له هكذا تدخّل؟
رغم تجاوزنا للمفاهيم القومية المتطرفة، إلاّ إنّه ليس هناك أدنى شك بكُردستانية “كركوك”، مع احترامنا للخصوصيات الثقافية والعرقية الأخرى في “كركوك”، ومن حق أهل “كركوك” تقرير مصيرهم عبر برلمانهم الخاص بهم، ولا يحق لأية جهة خارجية التدخل في قرارهم الذي أراه من أرقى وأجمل أشكال الديمقراطية، ولا يحق حتى لحكومة المركز وحكومة الإقليم التدخل في شؤونهم، فكيف سيحق لتركيا أن تتدخل؟
– هل لديكم توقعات محددة لنتائج هذا الاستفتاء الدستوري في تركيا؟
أعتقد أنه بعد إتمام عملية الاستفتاء التي على الاغلب ستكون ناجحة بالنسبة لـــ”أردوغان”، كونه لم يعد يوجد من يعارضه ضمن مؤسسات الدولة، ستتجه تركيا نحو العزلة الدولية، وستجد نفسها في مواجهة أقرب المقربين إليها، أولها الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة “الناتو” العسكرية، لأن السياسة التي يتبعها “أردوغان”، لا تنسجم مع سياستهم الاستراتيجية في الشرق الأوسط، خاصةً فيما يتعلق بمسألة الطاقة، وضرورة إيجاد بيئة آمنة ومستقرة لها، وبالتالي ستكون نهاية حكومة “أردوغان” حتمية على غرار سابقاتها من الأنظمة المتسلطة.
– لقد ذكرت مسألة الطاقة، ماذا تقصد بها، هل يمكنك التوضيح أكثر؟
أعتقد أن الخوض في مسألة الطاقة وعلاقتها بالأزمات الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط، ستأخذ مساحة شاسعة من هذا الحوار، فهي كالدائرة التي لا يعرف لها بداية أو نهاية ولكن بإيجاز، فإن كافة الحروب والصراعات، وغالبية المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي جرت وتجري، بخصوص الشرق الأوسط، ومن ضمنها المسألة الكُردية لها علاقة مباشرة بالطاقة “الدفينة”، التي تعتمد عليها الدول المهيمنة كمصدر لاستمرارية إنتاجها الصناعي، حيث كان النفط “الطاقة السوداء” سبباً لاتفاقية “سايكس بيكو” الهادفة إلى توزيع مناطق النفوذ ما بين فرنسا وبريطانيا، فحوّلت البلاد العربية إلى أقطار ودويلات وممالك، وجزأت كُردستان إلى أربعة أجزاء، تحكمها أكثر الأنظمة قساوةً واستبداداً، والتي اعتمدت على مبادئ الفكر والدولة القومية أساساً لأنظمتها الحاكمة، التي عبثت بمقدرات ومصائر الشعوب في المنطقة.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت الحاجة إلى طيّ ملف اتفاقية “سايكس بيكو”، من أولويات الدول المهيمنة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ذلك لأسباب عديدة منها:
1- ضرورة الاعتماد على طاقة دفينة بديلة للنفط الذي لم يعد يغطي الحاجة المرجوة في القرن الحالي.
2- كان اكتشاف الغاز الطبيعي في العمق العربي وسوريا ولبنان وإسرائيل سبباً رئيسياً لتفاقم الأزمة في المنطقة، كون حجم المخزون المكتشف زاد من إصرار الدول المهيمنة على ضرورة إيجاد بيئة جيوسياسية جديدة وملائمة للاستفادة من ذلك المخزون، وهو ما أدّى إلى منافسة روسيا وأمريكا على الاستحواذ على منابع وخطوط الغاز، عبر شركتي “بروم الروسية” و”نابوكو الأمريكية”، وتمريرها عبر إيران والعراق وسوريا، وتركيا التي ستكون مركزا للتجميع، ومنها إلى أوروبا، أو من العمق العربي نحو أوروبا عبر سوريا، تأكيداً على ذلك مجموعة الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة مؤخراً فيما بين روسيا وتركيا، والتي كانت أكبرها الاتفاقية المتعلقة بالغاز الروسي “بروم” مع تركيا، تلك كانت نكزة تركية موجهة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإمكانية تخلي تركيا عن حلفائها التقليديين وانضمامها إلى الحلف الروسي، مستغلةً بذلك موقعها الجيوسياسي في المنطقة.
بناءاً على هذا لم يعد أمام القوى المهيمنة خاصة الولايات المتحدة سوى خيارات محدّدة وهي: أمّا أن ترضخ للواقع الذي أنشأته هي وفرنسا وبريطانيا والسوفييت، في إنشائهم أنظمة قوموية دكتاتورية كان يقتصر عملها طيلة سنين القرن المنصرم على عمليات الاستيلاء على الموارد الباطنية والظاهرية والسمسرة الغير شرعية، مّما أدّى سياساتها إلى انخفاض مستوى الطلب الجماهيري للسلع الغربية المهيمنة، وهذا الخيار سيكون أمراً عسيراً، أو أن تعمل على تقويض وتفكيك أنظمة الحكم في المنطقة وعلى رأسها تركيا المتمردة والمتجهة نحو أوج الدكتاتورية والتطرف الديني على شاكلة نظام البعث في العراق، خاصة بعد إعلانها عن عملية الاستفتاء الدستوري.
– هل لديكم أي رؤية مستقبلية لانعكاسات الاستفتاء على المسألة الكردية؟
اعتقد أنّ المسألة الكُردية بأجزائها الأربعة خرجت من طورها الإقليمي، خاصةً بعد التطورات التاريخية والملحمية التي جرت في سوريا وتركيا والعراق، ولكن يتوجب على الكُرد توحيد الصفوف أكثر لمواجهة التهديدات التركية التي من الممكن أن تتبلور في تدخلات مباشرة سواء في روج آفا أو باشور، لأنه بعد عملية الاستفتاء الدستوري سيتحول النظام التركي إلى ذئب مسعور، ولن يعد يلتزم بالأصول والأعراف الدولية.
– هلا تعمقت أكثر في القضية الكُردية في تركيا، ماهي التداعيات المتوقعة للاستفتاء الدستوري عليها، خاصةً أن هذه القضية معنية أكثر أو وقريبة أكثر من الحدث إذا صح التعبير؟
من المعروف أن الشعب الكُردي في باكور كُردستان، ناضل منذ بداية القرن المنصرم من أجل الحصول على حريته وحقوقه المشروعة في أرضه التاريخية، والتي سلبت منه على إثر اتفاقيات ظالمة وإقصائية، من قبل الدول المهيمنة والإقليمية في المنطقة، وما كانت تلك الانتفاضات والعصيانات الجماهيرية التي واجهتها الأنظمة التركية المتعاقبة بالحديد والنار، إلاّ ردوداً طبيعية ضد تلك السياسات الظالمة، فالدولة التركية منذ تأسيسها عام 1923 وهي تمارس كافة أساليب القمع والاستبداد والإبادة بحق شعوب كُردستان، وخاصة الشعب الكُردي الذي لم يتنازل عن سلخ خصوصيته القومية والثقافية، باعتماده على مبدأ المقاومة المتواصلة، خاصةً في العقود الأربع الأخيرة متمثلة بحركة حرية كُردستان، التي يقودها حزب العمال الكردستاني منذ أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، وقد ضحى بعشرات الألوف من الشهداء وزجّ بآلاف المناضلين في غياهب سجون الفاشية التركية، أبرزهم قائد الحركة الكُردية “عبد الله أوجلان” الذي أكمل عامه الثامن عشر في سجن “إمرالي”، وقيادة حزب الشعوب الديمقراطية السيد “صلاح الدين دمرتاش”، وغيرهم من الذين اعتقلهم نظام “أردوغان” بعد المسرحية السخيفة التي قاموا بها في /15/ تموز 2016.
هنا تكمن المشكلة وهي: كيف سيكون مصير الأسرى والمعتقلين الكُرد بعد عملية التعديل الدستوري؟ وكيف سيكون مصير الشعب الكردي المناصر لحركة حرية كردستان في تركيا فيما يتعلق بنضالهم التحرري؟ خاصة فيما يتعلق بقانون إعادة حكم الإعدام الذي يذكره “أردوغان” مراراً، لذلك على الكُرد في تركيا أن يعوا مدى خطورة مشروع “أردوغان” الدستوري، ويكونوا على استعداد لمواجهة تلك المخاطر عبر الانتفاضات الجماهيرية المتواصلة.
– هناك مواقف داعمة ومؤيدة للاستفتاء التركي من قبل المعارضة السورية وبعض الأحزاب الكُردية المتحالفة معهم ضمن الإئتلاف.. كيف تقيّمون هذه المواقف؟
فيما يتعلق بموقف المعارضة السورية الزائفة، وأيضاً مواقف بعض من يدّعون أنفسهم بقادة أو سياسيّي كُرد ضمن المعارضة، هذه المعارضة تناقض نفسها بشأن موقفهم الداعم لــ”أردوغان” وسياسته، إذا هم مؤيدون لعملية الاستفتاء الدستوري في تركيا، فلماذا يعارضون نظام “الأسد” أصلاً؟ ولماذا كل هذا الدمار والاقتتال طيلة هذه السنين، أساساً لم يكن هناك فرق يذكر بين النظام السوري وبين نظام حكومة العدالة والتنمية، فهذا قتل وذاك قتل، هذا دمّر المدن والقرى وذاك دمر المدن والقرى، وبعد الاستفتاء سيتحول “أردوغان” إلى سلطة مسعورة، تفتك بكل من لم يرق له ولسياسته الدموية، هذا هو المعهود من قبل الأنظمة الشمولية.
طبعاً نحن لا نعول على الائتلاف، لأن الائتلاف ينتمي إلى نفس المدرسة الأردوغانية الاسلاموية، تعويلنا على بعض من يدعون أنفسهم بقادة وسياسين أكراد في تصريحاتهم التي تضعهم في دائرة الشك، بإرتباطهم المباشر بالنظام التركي، (هناك البعض منهم كانت أغانيهم القومية والفلكلورية أفضل أداء من ممارسة السياسة).
– هل تتوقع من الأطراف الكردية التي ذكرتها، الرجوع عن التأييد لهذا الاستفتاء، خاصةً أنّ سياسة حكومة التنمية والعدالة تتضح عدائيتها للقضية الكُردية يوما بعد يوم؟
لا شك أن نتائج التعديل الدستوري السلبية لن تنحصر في الداخل التركي فقط، وهذا مثبت من خلال تدخله في شؤون الدول المجاورة قبل إجراء الاستفتاء مثلما أسلفت، فالسبب الرئيسي لإطالة وتعميق الأزمة السورية هو سياسات العدالة والتنمية التوسعية والراديكالية الداعمة للجماعات الإرهابية في سوريا، وأيضاً مآسي الشعب الكُردي في العراق، خاصةً الكُرد الأيزيديين الذين تعرضوا لأبشع إبادة شهدها العالم على يد “داعش” المدعومة من تركيا، والتي كشفت عن نفسها في مسرحية اختطاف طاقمها الدبلوماسي في “الموصل” من قبل “داعش”، والذين تم إعادتهم “بقدرة قادر”.
هذه التداعيات والمآلات بشأن سياسة “أردوغان” في المنطقة كافية بأن تجعل كل كُردي شريف في مواقع القيادة يراجع حساباته ومواقفه الداعمة لمشروع “أردوغان” التآمري، وإلاّ فإن التاريخ كفيل بمحاسبتهم.
حاورهُ: سلام أحمد
تحرير: ج.عبدالقادر