اليوم يؤدي سلطان العثمانية الجديدة اليمين لتدخل تركيا مرحلة جديدة من تاريخها سماها العديد من المفكرين بالجمهورية الثانية، ولا شك أن الجمهورية الثانية سيكون لها تأثيراً كبيراً على تركيا نفسها وعلى المنطقة برمتها. الطبقة الحاكمة في تركيا أطلقت رسمياً اسم “النظام الرئاسي” على هذه الجمهورية واستشهدت بكل من الولايات المتحدة وفرنسا مثالاً على شرعية النظام، وهم يعلمون جيداً أن النظام الرئاسي في كلا البلدين يخص السلطة التنفيذية بينما السلطتان التشريعية والقضائية مستقلتان، وقد جرت محاسبة الرئيس مرات عديدة في كلا البلدين. ولكن ما يجري في تركيا هو أن شخصاً استولى على جميع السلطات أي التنفيذية والقضائية والتشريعية بوسائل مشبوهة ثم نصب نفسه رئيساً. وهو أي أردوغان شبه الديموقراطية بسيارة “تكسي” تستخدمها إلى أن تصل إلى هدفك ثم تتخلى عنها، وهذا ما فعله خلال الفترة الماضية من خلال الألاعيب العثمانية بالتزوير والتهديد إلى أن استولى على السلطات الثلاث وجميع مفاصل الحكم. إلى درجة تغريدة في التويتر تكفي لإيداع المغرد في السجن. وصلاحياته الجديدة تخوله حل البرلمان وكل المؤسسات التشريعية، وكذلك تعيين القضاة وطردهم بما في ذلك المحكمة الدستورية وهيئة القضاء الأعلى.
ثمة جانب آخر غاب عن وعي الحاكمين أو المخططين للعثمانية الجديدة، وهو أن الوجود التركي في الشرق الأوسط كقوة حاكمة أو دولة أو حتى امبراطوريات مرتبط بتفاهمهم وتحالفهم مع الشعب الكردي والشعوب الأخرى داخلياً. فلولا تحالف آلبآصلان مع الكرد لما تحقق انتصار مالازغرت، ولولا تحالف ياووز سلطان سليم مع الكرد لما توسعت الإمبراطورية العثمانية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولولم يذهب مصطفى كمال إلى وجهاء الكرد في كردستان ولم يقبل أيدي وجهاء الكرد في مؤتمري أرضروم وسيواس لما استطاع تأسيس الجمهورية التركية الأولى. أي أن الوجود التركي في منطقة الشرق الأوسط كدولة وحكام مرتبط بتفاهمهم مع الكرد.
الجمهورية التركية الثانية أو السلطنة العثمانية الحديثة تتأسس على أسس العداء للشعب الكردي بعد أن تم القضاء على كل الشعوب الأصيلة في هضبة الأناضول وجوارها كالروم واللاز والبونتوس والأرمن والسريان. أردوغان الذي ينصب نفسه اليوم سلطاناً استطاع لم شمل كل ما هو معادي للشعوب وللكرد خاصة إلى جانبه في سلطنته الجديدة. فهو متحالف مع حزب الحركة القومية التي تأسست على معاداة كل ما هو غير تركي، وكذلك حزب الإتحاد الكبير وعصابة أرغنكون وحزب الله التركي والمنظمات الأخرى التي نشأت ارتباطا باستخبارات الجندارما واغتالت آلاف الشخصيات السياسية الكردية وغير الكردية منذ تسعينيات القرن الماضي بالإضافة إلى كل من جعل من العداء للشعوب والكرد خاصة نهجاً له.
الجمهورية التركية الثانية بهذه الذهنية وهذه القيادة وبهذه العلاقات المتوترة داخلياً وخارجياً مع جيرانها شرقاً وغرباً، وأمام وعي العولمة الذي اكتسبته الشعوب والمكونات، تدخل نفقاً مظلماً ولكنها تدخل معها المنطقة برمتها في وضع عدم الإستقرار وستكون النتائج أيضاً كارثية على الشعب التركي أولاً وعلى الشعوب المجاورة ثانياً، بل وكل منطقة الشرق الأوسط.