آدار برس- خاص
- أي تسوية دولية، بتفويض أو بدونه، لن تأخذ بمصالح الشعب السوري في التغيير الديمقراطي الحقيقي، طالما أن السوريين منقسمون حول أية سورية يريدون. وهذا الانقسام يأخذونه معهم إلى اللجنة الدستورية لأن تشكيلها لم يأتِ بإرادة وطنية وعبر حوار وطني، وإنما بإرادة الدول المتدخلة والفاعلة في شؤون بلدهم.
- إن سورية بحاجة إلى جمعية تأسيسية، وليس لجنة دستورية، وشتان بين الإثنتين. فاللجنة الدستورية يراد منها إما العودة إلى دستور ٢٠١٢ مع إضافة بعض الرتوش، أو اعتماد دستور جديد يجمع خلافات السوريين ورؤاهم المختلفة بما يشبه دستور اللادستور ـ كما في العراق ولبنان ـ أما الجمعية التأسيسية فهي من حيث التشكيل ينتجها حوار وطني حول القضايا المختلف عليها، وتعكس بنيتها كل مكونات وخيارت الشعب السوري.
- طالما التيار الديمقراطي العَلْماني غير ممثل في اللجنة الدستورية فإن سقف المطالب الدستورية الديمقراطية والعلمانية سيكون منخفضاً جداً، ولن يتعدى الهامش الضيق الذي كان موجوداً في ظل الاستبداد. ويأتي استبعاد مجلس سورية الديمقراطية ومعارضة الداخل والنخب الفكرية والثقافية المستقلة من اللجنة الدستورية، والتدخل في تركيبة ثلث المستقلين والمجتمع المدني، ليزيد من تهميش هذا التيار ويرسخ قيم الاستبداد السياسي والديني.
- إن ما يجري في المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غرب سورية، وبخاصة في منطقة عفرين ذات الغالبية الكوردية، يأتي في هذا السياق المتعثر وطنياً والمرتهن للقوى الخارجية من قبل جميع الأطراف الداخلية. وتركيا تتعامل مع المنطقة كقوة احتلال، كقوة أمر واقع… وإذا لم تضع الحرب أوزارها، ويقتنع السوريون بأن لا بديل عن الحوار الوطني، فإن البكاء على الأطلال سوف لا يقتصر على عفرين وشمال غرب سورية فحسب، بل ربما يطال مناطق أخرى من الجغرافيا السورية التي كنا نعرفها.
جاءّ ذلك في حوارٍ أجراه «آدار برس» مع الأكاديمي والباحث السوري، الدكتور مهيب صالحة.. هذا نصه:
أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، عن تقدم ملموس بشأن تشكيل اللجنة الدستورية، وجاءت تصريحات المسؤول الدولي عقب محادثاته مع مسؤولين في العاصمة السورية، بينهم وزير الخارجية وليد المعلم.. ما تعليقكم على ذلك؟
تأتي زيارة السيد غير بيدرسون المبعوث الأممي إلى سورية في سياق المساعي التي تقوم بها المنظمة الدولية لإخراج المسألة السورية من عنق الزجاجة، إذ أن جميع المحاولات لتشكيل اللجنة الدستورية انتهت بالفشل بسبب ما يشاع من خلاف حول ستة أسماء في مجموعة الثلث التي يحددها المبعوث الأممي من المستقلين والمجتمع المدني، وقد أتت الزيارة بعد زيارته لموسكو الأسبوع الماضي لتذليل هذه العقبة وأخذ موافقة حكومة دمشق على آلية مبتدعة لتسمية الأسماء الستة، حيث تسمي دمشق وموسكو اسمين من الستة ويسمي المبعوث الأممي بعد التشاور مع مجلس الأمن الأسماء الأربعة المتبقية، بالإضافة إلى بحث القواعد الإجرائية وآليات عمل اللجنة الدستورية فيما يتعلق برئاسة اللجنة وآلية اصدار القرارات والجدول الزمني، والتي ستخضع كلها لتوافقات وتسويات، من قبيل رئاسة مشتركة أو بالتناوب، وتصويت بأغلبية موصوفة الثلثين أو أكثر، والانتهاء من كتابة مسودة الدستور قبل ٢٠٢٠ كي يتسنى التحضير للاستفتاء الشعبي على مشروع الدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية في ربيع ٢٠٢١. ولكن السبب الحقيقي لعودة البحث في اللجنة الدستورية والذي توقف منذ نيسان الماضي هو، برأيي، يعود لعدة أسباب:
1 ـ فشل الحملة العسكرية التي تقودها روسيا في الشمال السوري في ريفي إدلب وحماه الجنوبي والشمالي، وتعثر الاتفاق الروسي ـ التركي حول المنطقة العازلة وتحجيم دور هيئة تحرير الشام.
2 ـ اجتماع مجلس الأمن الدولي الخاص ببحث اللجنة الدستورية الذي هددت فيه أمريكا وأوروبا روسيا وشركائها في أستانا بإعلان فشل تشكيل اللجنة الدستورية، وبالتالي فشل مسار أستانا ـ سوتشي، والطلب من المبعوث الأممي العمل على مسار سياسي جديد.
٣ ـ قمة القدس الأمنية بين أمريكا وروسيا وإسرائيل وما تمخضت عنه من تفاهمات حيال المسألة السورية، والنزاع الأمريكي ـ الإيراني.
٤ ـ قمة لوساكا في اليابان بين الرئيسين بوتين وترامب على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، وما يمكن أن يكون الرجلان قد صادقا عليه من تفاهمات سياسية حضرتها دبلوماسيتهما حول سورية.
إن إشاعة التقدم في تذليل عقبة اللجنة الدستورية سواء من بيدرسون أو من الخارجية السورية، وقبل ذلك من قبل موسكو، تؤشر إما إلى نجاح الضغوطات الأوربية والأمريكية على موسكو من أجل الضغط على دمشق لقبول “بدعة ببدرسون” لقطع الطريق على إعلان فشل مسار أستانا ـ سوتشي، مما يسبب إحراجاً كبيراً لموسكو، يؤدي إلى تراجع دورها في المسألة السورية، أو أن روسيا نجحت في إقناع العالم بوجهة نظرها للحل السياسي في سورية عبر بوابة اللجنة الدستورية المتثالثة.
تغيرت موازين القوى السياسية على الساحة السورية لاسيما من الجانب الروسي، خاصة بعد حصوله على تفويض مبطن من استانا ولاسكا.. كيف تقرؤون ذلك؟
مما لا شك فيه أن مسار أستانا الذي قادته روسيا تمكن من تغيير موازين القوى على الأرض لمصلحة النظام، بإعادة جزء كبير من الأراضي لسيطرته بموجب مناطق خفض التصعيد، بعد أن فقدها لمصلحة المعارضة الإسلامية لعدة سنوات. وهذا المسار بطبيعة الحال لم يكن مكشوفاً دولياً، إنما تم تغطيته من قبل المجتمع الدولي، ومن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، اللتين كانتا طرفاً مهماً في تفاهمات منطقة خفض التصعيد للمنطقة الجنوبية. وهذه التغييرات انتهت بمقايضة روسيةـ إيرانية مع شريكتهما تركيا لمناطق في الشمال الغربي مقابل خروج الفصائل من مناطقها وتجمعها هناك وفي إدلب. وكنا دائماً نحذر من أن هذه المقايضة بين الاحتلالات الثلاثة سوف تعقد المسألة السورية، وربما تأخذ البلاد إلى شكل من أشكال التقسيم، عدا عن تحويل منطقة إدلب إلى بؤرة استنزاف لما تبقى من سورية، وربما استنزاف الجميع، وفي مقدمتهم الدول الضامنة لتفاهمات أستانا.
إن نجاح روسيا بتغيير موازين القوى على الميدان من خلال مسار أستانا، الذي انتهى بتثليث سورية بينها وبين أمريكا وتركيا مع وضع خاص للمنطقة الجنوبية المحاذية لهضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، ساعدها ـ ربما ـ في اقناع الجميع بوجهة نظرها لحل المسألة السورية.
وقد تكون روسيا حصلت على تفويض رسمي من قمتي القدس ولاساكا بإعادة تأهيل النظام، صون وحدة الأرض السورية، وخروج القوات الأجنبية (وتحديداً الإيرانية والتركية) منها، ودستور محاصصة بين “شعوب سورية” تحت الوصاية، وانتخابات بإشراف أممي، ومشاركة عربية وأوروبية في إعادة الإعمار، وتمييع الملفات الإنسانية…
فخارطة الطريق هذه تريح الدولتين العظميين، روسيا وأمريكا، كما تستجيب للمصالح الإسرائيلية، وخاصة الأمنية، لأن من وجهة نظر إسرائيلية بحتة كل ملفات المنطقة أمنية. وتبدد قلق تركيا من وجود كيانية كوردية ما على حدودها الجنوبية مع سورية. بينما يتوقف اعتراف الجميع بمصالح إيران في سورية على مدى التزامها بوقف أنشطتها النووية والباليستية …
وإذا صحت هذه التوقعات، فإن اللجنة الدستورية سوف ترى النور قريباً، وسوف تبدأ عملها في أقصى تقدير في أيلول/سبتمبر القادم. ولكن هذا التفويض، هو في مكان ما يشكل صدمة لكل من تركيا، وقد عبرت عن انزعاجها بفتح معركة ريف اللاذقية الشمالي، التي تعتبر الجبهة الأخطر على المصالح الروسية في الساحل السوري حيث قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية. وإذا تمكنت المعارضة الإسلامية بدعم تركي من تحقيق اختراقات مهمة هناك فسوف تختلط الأوراق مرة أخرى، إلا إذا أخذت تركيا ما تريد على حدودها الجنوبية، منطقة أمنية تتجاوز حدود اتفاقية أضنة ١٩٩٨ وعدم قيام أية كيانية كوردية. وهو أيضاً صدمة لإيران تضعها أما خيارين، إما الذهاب إلى مفاوضات مع أمريكا وفق شروط ترامب، وخاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي والبالستي وخروجها من سورية، أو أن تتعرض لمزيد من العقوبات والعزلة الدولية، ومزيداً من الضربات الجوية لقواتها وميليشياتها العسكرية في سورية. وفي جميع الحالات سوف تخضع حكومة دمشق والمعارضة الإسلامية لأي اتفاق دولي تعده موسكو بموجب هذا التفويض ويأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول العظمى والإقليمية الفاعلة والمتدخلة في المسألة السورية.
في المقابل فإن أي تسوية دولية، بتفويض أو بدونه، لن تأخذ بمصالح الشعب السوري في التغيير الديمقراطي الحقيقي، طالما أن السوريين منقسمون حول أية سورية يريدون. وهذا الانقسام يأخذونه معهم إلى اللجنة الدستورية لأن تشكيلها لم يأتِ بإرادة وطنية وعبر حوار وطني، وإنما بإرادة الدول المتدخلة والفاعلة في شؤون بلدهم.
كيف تقيمون أسماء اللجنة الدستورية بشكل عام، والأسماء المقترحة من الأمم المتحدة؟
من هذا المنطلق فإنه لا معنى، ولا أهمية للأسماء المرشحة لتولي أعمال صياغة مسودة الدستور، إذا لم يرمِ كل واحد من أعضاء اللجنة الدستورية ولايته في سلة المهملات عند البوابة الرئيسية قبل دخوله قاعة الاجتماع، ويحمل في عقله وضميره ولاية وطنية مستقلة.
إن سورية بحاجة إلى جمعية تأسيسية، وليس لجنة دستورية، وشتان بين الإثنتين. فاللجنة الدستورية يراد منها إما العودة إلى دستور ٢٠١٢ مع إضافة بعض الرتوش، أو اعتماد دستور جديد يجمع خلافات السوريين ورؤاهم المختلفة بما يشبه دستور اللادستور ـ كما في العراق ولبنان ـ أما الجمعية التأسيسية فهي من حيث التشكيل ينتجها حوار وطني حول القضايا المختلف عليها، وتعكس بنيتها كل مكونات وخيارت الشعب السوري، ويكون همها الوحيد، بعد فشل الجمهورية الثانية الاستبدادية، الانتقال إلى الجمهورية الثالثة الديمقراطية. إن الجمعية التأسيسية، بهذا المعنى، هي جامعة وطنية لإرادات حرة لا ترتهن لأحد، في الداخل أو الخارج، وتعبر عن حرية وكرامة وطن ومواطن، وتزرع الأمل لكي يكون الحصاد خيراً وطمأنينة واستقراراً وتقدماً. إنها تؤسس لسورية جديدة، وليس إعادة ما كان وسيبقى السبب الرئيس، وربما الوحيد، للمشكلة، أي الاستبداد بجميع مفرزاته ..
فلسفة أي دستور تتحدد بأعمدته السبعة: السيادة، نظام الحكم أو النظام السياسي، النظام الإداري والتنموي، هوية النظام الاقتصادي، حقوق الأفراد والجماعات، الحريات، المرأة والأسرة، وطالما التيار الديمقراطي العَلْماني غير ممثل في اللجنة الدستورية فإن سقف المطالب الدستورية الديمقراطية والعلمانية سيكون منخفضاً جداً، ولن يتعدى الهامش الضيق الذي كان موجوداً في ظل الاستبداد. ويأتي استبعاد مجلس سورية الديمقراطية ومعارضة الداخل والنخب الفكرية والثقافية المستقلة من اللجنة الدستورية، والتدخل في تركيبة ثلث المستقلين والمجتمع المدني، ليزيد من تهميش هذا التيار ويرسخ قيم الاستبداد السياسي والديني.
ما تعليقكم على ما يحدث حالياً في عفرين من انتهاكات وجرائم ترتكبها تركيا؟
إن ما يجري في المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غرب سورية، وبخاصة في منطقة عفرين ذات الغالبية الكوردية، يأتي في هذا السياق المتعثر وطنياً والمرتهن للقوى الخارجية من قبل جميع الأطراف الداخلية. وتركيا تتعامل مع المنطقة كقوة احتلال، كقوة أمر واقع، فهي تجري تغييرات ديمغرافية في المنطقة، من حيث تركيبة السكان باتجاه تعريب المنطقة بالكامل، ومن حيث طمس الإرث الثقافي والتاريخي لأبناء المنطقة، ربما تمهيداً لإلحاقها بتركيا في أية صفقة محتملة في سياق الصفقات المشبوهة التي تبرم على حساب الشعب السوري ودولته، بغفلة من قواه السياسية المختلفة والمشتتة.
وإذا لم تضع الحرب أوزارها، ويقتنع السوريون بأن لا بديل عن الحوار الوطني، الذي وحده ينتج حلولاً تحفظ حرية وكرامة المواطن، وتصون وحدة البلاد، وتحرر الأرض من كل الاحتلالات، وتؤسس لدولة الحق والقانون، والتطور الديمقراطي… فإن البكاء على الأطلال سوف لا يقتصر على عفرين وشمال غرب سورية فحسب، بل ربما يطال مناطق أخرى من الجغرافيا السورية التي كنا نعرفها.
حوار/ سهيلة صوفي