آدار برس
بعد أن هوت قيمة الليرة السورية إلى مستويات متدنية جداً أمام العملات الأجنبية خلال السنوات الماضية، أعلن مصرف سوريا المركزي، يوم الأحد الماضي، عن طرح ورقة نقدية جديدة من فئة 5 آلاف ليرة سورية، معتبراً أن «الوقت أصبح ملائماً وفق المتغيرات الاقتصادية الحالية لطرح الفئة النقدية الجديدة».. فما معنى هذه الخطوة؟ وما تأثيراتها؟
يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي، الدكتور مهيب صالحة، لـ “آدار برس” تعليقاً على ما سبق: «إن إصدار العملة الوطنية بالكميات والفئات المختلفة أمر يعود تقديره للسلطة النقدية وفق أسس وقواعد اقتصادية بحتة أهمها حاجة الاقتصاد الوطني وعمليات التبادل للنقود، بحيث يحدث توازن بين كمية النقود في التداول وحجم السلع والخدمات وقيمها في الاقتصاد، وبالتالي فإن أي زيادة في الناتج القومي من السلع والخدمات تتطلب زيادة النقود في التداول كي لا يحدث ركود اقتصادي (زيادة العرض الكلي من السلع والخدمات على الطلب الكلي على السلع والخدمات)، ووفق قواعد الإصدار النقدي يقدر البنك المركزي حاجة التداول من النقود ويقوم بتأمينها».
ويضيف: «في المقابل فإن أي زيادة في كمية النقود في التداول عن حاجة الاقتصاد، أي زيادة كمية النقود عن الحجم الحقيقي للناتج القومي من السلع والخدمات، ستؤدي إلى التضخم (ارتفاع المستوى العام للأسعار) أي زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي. وفي الحالتين (الركود والتضخم) يعاني الاقتصاد من آثارهما الخطيرة، خاصة إذا كانت معدلات البطالة ومعدلات التضخم عالية جداً».
ويقول: «وهذا ما يحصل الآن في الاقتصاد السوري الذي يتسم بالتضخم الركودي (التضخم المصحوب بالركود) نتيجة للحرب الدائرة منذ سنوات، والتي أدت إلى تدهور الإنتاج في جميع القطاعات والسياسات النقدية التي اتبعتها الحكومة خلال سنوات الحرب القائمة على التمويل بالعجز أي تمويل عجز الموازنة العامة للدولة بواسطة إصدار النقود بدون غطاء نقدي (زيادة الناتج القومي أو زيادة الاحتياطي من الذهب والعملات القابلة للتحويل)، عوضاً عن انتهاج سياسات تقشفية وترشيد الإنفاق الاستهلاكي العام وتقديم الأساسيات على الثانويات أو الكماليات وتوزيع الموارد المتاحة وفق أولويات بقاء عجلة الإنتاج تدور والمحافظة على توازنات اقتصادية كلية جديدة والتدخل المباشر وغير المباشر لاستقرار سعر صرف الليرة السورية وإعادة توزيع الدخل القومي بصورة تقوي الطلب الفعال على الناتج القومي من خلال سياسات مالية حكيمة وفعالة».
ويرى الدكتور مهيب صالحة «أننا مام سيناريوهين محتملين للإصدار النقدي الأخير، السيناريو الأول، يأتي إصدار كمية من النقود لم يفصح عنها البنك المركزي من فئة 5000 ليرة سورية في سياق السياسة النقدية والمالية التي تنتهجها الحكومة منذ عقود والقائمة على تمويل بالعجز مع التغير الذي حصل منذ تموز 2019 بتعويم الليرة السورية، وبالتالي سيؤدي هذا الإصدار إلى مزيد من التضخم وبمعدلات أعلى من السابق، وتدهور أكثر للطلب الفعال على السلع والخدمات خاصة عند عامة الشعب الذي صار 90% منه تحت خط الفقر، وبالتالي تدهور إضافي في القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني وزيادة فاضحة في انكشافه للخارج وارتهان البلد لمشيئاته».
ويضيف: «السيناريو الثاني، وهو مستبعد لأنه من خارج منطق النهج الحكومي العام ويخالف ذهنية النظام السوري في كيفية تعامله مع الأزمات والكوارث، وهذا السيناريو يقوم إما على تغطية هذا الإصدار بوسائل التغطية الاقتصادية كأن يكون البنك المركزي من خلال سياسة تعدد سعر الصرف قد شفط كمية كبيرة من الأموال عن طريق الفروقات الكبيرة في أسعار الصرف (الرسمي والمرجح والموازي والبدلات والسوق .. ) وتكوين احتياطي نقدي بالعملات الأجنبية، ولا أعتقد أن النظام سيستغني عن هذا الاحتياطي لتحسين الوضع الاقتصادي لأنه هو من تسبب بتدهوره خاصة في السنتين الأخيرتين، وإنما سيستخدمه في مرحلة الحل السياسي وإعادة الإعمار من أجل استمرار بقائه. أو كما يدعي البنك المركزي هو استبدال العملات المهترئة بعملة جديدة ولكن من فئة كبيرة لتسهيل عمليات التبادل والتخزين والنقل وما إلى ذلك».
ويختم الدكتور مهيب صالحة حديثه بالقول: «في جميع الأحوال، الأيام القادمة ستفضح نوايا وأهداف الحكومة وبنكها المركزي ولو أن جميع المؤشرات الاقتصادية تبين أن الاقتصاد السوري ذاهب إلى المزيد من التضخم الركودي بفعل الإصدار الأخير أو بدونه».
آدار برس/ سهيلة صوفي